اللواء على سامى نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة يفتح الملفات الساخنة فى حوار شامل :مبارك أطلق العنان لـ«أمن الدولة» بعد محاولة اغتياله فى بورسعيد

◄◄ هل ضابط أمن الدولة فوق القانون؟
- لا يوجد أحد فوق القانون، والدليل على ذلك الواقعة الشهيرة التى تم فيها إحالة «44» ضابط أمن دولة لمحكمة الجنايات سنة 1986، بتهمة استخدام العنف والقسوة أثناء التحقيقات مع المعتقلين من أعضاء الجماعات الإسلامية، ولكن المحكمة برأت هؤلاء الضباط بسبب عدم كفاية الأدلة.

◄◄ هل هذا يعنى أن هناك تجاوزات كانت تتم خلال التحقيقات؟
- لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، ولكن هذه الظاهرة ليست مطلقة، ولكن مرجعها الأساسى سلوك الضابط نفسه، فهناك ضابط عنيف بطبعه، ومسألة التجاوزات كانت بتحصل حتى فى أقسام الشرطة العادية.


◄◄ كيف كان يتم اختيار ضابط أمن الدولة؟
- عملية اختيار ضباط أمن الدولة كانت تتم من خلال ترشيحات ضباط الفروع فى المحافظات، وغالباً يتم انتقاء العناصر الشرطية ذات الكفاءة العالية، لأن العمل فى أمن الدولة يتطلب نوعية من الضباط، عندها قدرات خاصة إلى جانب الكفاءة والثقافة، وقبل ذلك يجب أن يكون الضابط نفسه مؤهلا شخصيا للعمل فى الجهاز، وبشرط أن سنه لا تتجاوز الـ30 عاماً.

◄◄ وهل شرط أن يكون قادما من إدارة معينة؟
- ليس شرطاً أن يكون قادما من إدارة معينة، فمن الممكن أن يكون قادماً من شرطة السياحة، أو من الجوازات، أو الأمن المركزى، ولكن يفضل أن يكون عمل من قبل فى إدارة البحث الجنائى، وبعد ترشيحه يتم إجراء بعض الاختبارات فى المعلومات العامة والثقافة، واختبارات الكفاءة المهنية، وبعد ذلك بنديله فرقة من 3 لـ6 شهور، يعرف فيها يعنى إيه أمن سياسى، وبعد كده يتم توزيعه على الشُعب الموجودة فى الجهاز اللى تناسب قدراته.

◄◄ عقب اقتحام مقار الجهاز، تردد أنه يمتلك ترسانة متفوقة من الأسلحة؟
- هو تسليح عادى جدا،ً لا يزيد على طبنجة بالنسبة للضباط، ولكن هناك أسلحة حديثة مخصصة لضباط مكافحة الإرهاب، وهؤلاء عددهم ليس كبيرا فى جهاز أمن الدولة.

◄◄ كثير من الناس لا يعرفون طبيعة عمل جهاز مباحث أمن الدولة؟
- طبيعة عمل الجهاز الأساسية هى جمع المعلومات، وإعداد التقارير عن تأثير هذه المعلومات على الوطن والمواطن، ورفعها للقيادة السياسية، لاتخاذ القرار اللازم، وعملية جمع المعلومات، هنا ليست مقصورة على الناحية الأمنية فقط، وإنما فى كل المجالات، سواء كانت اقتصادية أوإجتماعية أو سياسية.

◄◄ ولكن هذه المهمة من الممكن أن تقوم بها مراكز البحوث؟
- لا طبعاً، لأنك كجهاز أمنى بتجمّع معلومات، بهدف حماية العنصر البشرى فى المقام الأول، مش علشان المسؤول يفضل فى منصبه، وفى هذا الجزء دعنى أوضح لك المسألة، لما أمن الدولة يجمع معلومات هنا هو مش مركز أبحاث، هو هنا أحد أجهزة الأمن الوطنى، وفيه نموذجين للأمن الوطنى الأول خاص بالكتلة الشرقية، وده بيعتمد على القوات المسلحة بأسلحتها المختلفة عن حماية البلاد من أى خطر خارجى، وفى النموذج ده بتكون أجهزة الأمن الداخلية، دورها قمعى، لأنها مش بتحمى وطن، أنت هنا بتحمى نظام حكم.
أما النوع الثانى، نظام الأمن القومى لدى الدول الغربية، والنظام ده أشمل وأعم، لأنك بتأمن فيه المواطن من لحظة الميلاد حتى الموت، وهنا ممكن تلاقى إن قضية نقص لبن الأطفال قضية أمن قومى، أو قضية نقص نوع معين من الأدوية للكبار قضية أمن قومى أيضاً، وهنا أنت بتخلق عند المواطن الولاء والانتماء، وبالتالى مش حتلاقى عندهم لا إرهاب ولا عنف.

◄◄ ذكرت أن مهام الجهاز جمع المعلومات، ولكن الواقع كان يقول أن الجهاز تخطى هذه المراحل بكثير، ووصل لمرحلة التنصت والتجسس؟
- عمليات التنصت فى حد ذاتها إذا تم اللجوء إليها كوسيلة لجمع معلومات، من المفترض أن تتم وفقا لإذن من النيابة، أو قاضى التحقيق، أما لو تمت بدون ذلك، فهى تندرج تحت بند التجاوزات.

◄◄ تردد فى الأوساط السياسية أن الدكتور كمال الجنزورى تمت الإطاحة به من منصبه بناء على تسجيل مكالمة هاتفية، ذكر فيها أنجال الرئيس؟
- معنديش فكرة عن الموضوع ده.


◄◄ يرى البعض أن جهاز أمن الدولة بدأ يتوغل فى مؤسسات الدولة فى أواخر التسعينيات؟
- ده كلام صحيح إلى حد ما، خاصة أن الفترة دى كانت مصر تواجه عمليات إرهابية منظمة، وكان لازم يبقى فيه مواجهة حاسمة، وشهدت هذه الفترة عمليات اغتيالات لرموز فكرية، وسقوط عدد من الشهداء فى قيادات وضباط أمن الدولة، إلى جانب سبب مهم جداً، أن الفترة نفسها شهدت محاولة اغتيال مبارك فى بورسعيد فى سبتمبر 99.

◄◄ هل تقصد أن الجهاز بدأ فى ذلك الوقت يتبنى نظرية حماية النظام؟
- مش بالمعنى ده، ولكن تجاوزات الجهاز بدأت تحظى بتأييد من القيادة السياسية، وتمت الإطاحة بعدد كبير من قيادات الجهاز التى رفضت الانصياع لهذه التعليمات.

◄◄ من خلال خبرة 30 عاماً فى أمن الدولة، ما تصورك لجهاز الأمن الوطنى الجديد؟
- أولاً يجب استبعاد العناصر التى أساءت لسمعة الجهاز، وعلى حد علمى إن هذه العملية بدأت، ووفقا لقرار اللواء منصور العيسوى، فإن مهام جهاز الأمن الوطنى، هى جمع المعلومات فقط، وتقديمها إلى أجهزة الشرطة المعنية، لاتخاذ الإجراءات القانونية حيالها، دون الاحتكاك بالمواطنين، أو التدخل فى حياتهم الشخصية، أو الأحزاب، أو مراقبة التليفونات، التى لن تتم إلا بعد استئذان النيابة العامة، وعلى حد علمى، فإن عمل جهاز الأمن الوطنى سيهتم بمكافحة الإرهاب والتجسس، من خلال جمع المعلومات، وإعطائها لجهاز الشرطة النظامى لاتخاذ الإجراء القانونى، إذا كان هناك تجاوز ما، وعلى فكرة ده الدور الطبيعى للجهاز.

◄◄ وبالنسبة لباقى كوادر جهاز مباحث أمن الدولة؟
- عرفت من خلال اتصالاتى أنه سيتم الإبقاء على بعض العناصر التى لم تتورط فى ارتكاب تجاوزات، وعلى فكرة ليس كل ضباط أمن الدولة كما يتصور البعض وحوشا وقتلة.


◄◄ وهل سيتم تسريح بعض العناصر من الخدمة؟
- لا طبعاً، لأنك متقدرش ترفد حد من الخدمة بدون وجه حق، ولكن سيتم توزيع هذه العناصر على إدارات الشرطة المختلفة، وخاصة أن أنشطة الجهاز الجديد ستكون محدودة.

◄◄ بعد اقتحام مقرات الجهاز فى عدد من المحافظات، ردد البعض أنهم عثروا على مقابر جماعية؟
- طيب الناس اللى عثرت على المقابر الجماعية دى مابلغتش ليه النائب العام لفتح تحقيق فى المسألة دى، طالما هناك أدلة مادية، ما المانع من التقدم ببلاغ.

◄◄ عاصرت السادات وأنت فى أمن الدولة وكذلك مبارك، ما أبرز خطأ ارتكبه كل منهما فى رأيك؟
- بالنسبة للسادات، أعتقد أن حملة اعتقالات سبتمبر 1981 كانت من أبرز أخطائه السياسية، لأن ما كانش ينفع إنك تلم كل أطياف المجتمع وترميهم فى السجن بحجة إنك عاوز تخلص مفاوضات كامب ديفيد، وبعدين حملة الاعتقالات هذه كانت السبب الرئيسى اللى فتح باب العنف فى مصر، أما بالنسبة لمبارك، أعتقد إنها الانتخابات الأخيرة، ودى كانت مسألة تمت إدارتها بغباء سياسى مطلق.

◄◄ ولكن يقال إن اللواء حسن عبدالرحمن وأحمد عز كانت لهما اليد الطولى فى هذا الملف؟
- كان فيه تنسيق بين أحمد عز باعتباره أمين التنظيم بالحزب الوطنى، وبين حسن عبدالرحمن باعتباره رئيس جهاز مباحث أمن الدولة، لأن مسألة الانتخابات لها ترتيبات معينة، ويمكن ده اللى خلق شعورا لدى بعض الضباط فى الجهاز، أن عبدالرحمن هو وزير الداخلية القادم لو تم مشروع التوريث، ولكن جاءت الثورة لتطيح بأحلام الجميع.

◄◄ هل تعتقد أن جهاز أمن الدولة كان لديه تصور عن حدوث الثورة فى مصر؟
- لا أعتقد هذا، ولكن دعنى أقول إن حدوث الثورة كان هو الحل الوحيد لأمرين، الأول إجهاض مشروع التوريث، أما الأمر الثانى، فهو إجراء عملية طلاق الزواج الحرام بين المال والسلطة.

◄◄ باعتبارك رجل أمن هل مطلوب تغيير آليات عمل الشرطة حتى تستعيد دورها؟
- مفيش شك لازم يكون فيه تغيير فى الشكل والمضمون، وخلينى أقول حاجة مهمة جداً، إن الإحساس بالأمان ده شعور، يعنى إنت ممكن يبقى فيه سيارة شرطة على بعد 300 متر من بيتك، خلاص كده، انت حتنام وانت مطمن، لأن الشعور بالأمان عندك اتحقق، بس لازم يكون فيه تغييرات حتى فى الشكل نفسه، يعنى بكره لما المواطن يشوف رجل الشرطة بزى جديد فى الشارع، ممكن يحس إن الثورة فعلا غيرت، الأمر التانى لازم معاملة الناس فى أقسام الشرطة تتغير.

◄◄ ردد البعض أن قضية الفتنة الطائفية وتفجير كنيسة القديسين وراءها عناصر من أمن الدولة؟
- لا أعتقد أن يكون هذا صحيحاً، ولكن فى أزمة كنيسة القديسين كان الجهاز الأمنى بأكمله بين شقى الرحى كما يقولون، لا الأقباط راضيين عنه، ولا المسلمين راضيين عنه، وده طبعاً بسبب التجاوزات كما أشرنا من قبل، ولكن للأسف، إن هذه التجاوزات فى الملف الدينى، كانت مدعومة من القيادة السياسية.

◄◄ أحزاب المعارضة قبل الثورة كانت تردد دائما أنها ضحية لمؤامرات أمن الدولة؟
- هذا غير صحيح طبعاً، لأن صراعات الأحزاب كانت منها فيها، كل حزب قائم فيه صراعات على المناصب، يعنى كانت متفجرة ذاتيا، والمرشدون والمخبرون فيها كانوا بيتطوعوا لإبلاغ الأمن من تلقاء أنفسهم، يعنى تقدر تقول إنهم كانوا أكتر من الهم على القلب، ولكن تدخل أمن الدولة فيها لصالح الحزب الوطنى، دى حجة البليد، خلاص راح الوطنى، يورونا هيعملوا إيه.

◄◄ هل تعتقد أن التيارات الإسلامية ركبت الثورة؟
- بالتأكيد هم الأبرز على خشبة المسرح السياسى فى الوقت الحالى، وده طبعا بسبب أنهم أكثر تنظيما من غيرهم، بالإضافة إلى أنهم عاشوا طوال السنوات الماضية تحت الحظر والمنع، ولكن ترك الساحة لهم خطأ جسيم، وأقرب النماذج لذلك، ما حدث يوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، فلا يجوز أن يخرج الشيخ محمد حسين يعقوب ويقول «من يقول نعم سيفوز بالجنة»، ويسبقه عبود الزمر ويطالب الأقباط بدفع الجزية، وهنا من حق الأقباط أن يخافوا، كان المفروض على التيارات الإسلامية كلها بمختلف أنواعها أن تبقى على مستوى الحدث.

◄◄ قلت من قبل أن أمن الدولة من مهامه جمع المعلومات.. ألم يكن لديه معلومات عن فساد الكبار؟
- لا كان فيه، بس زمان الفساد كان حالات فردية، لكن فى السنوات الأخيرة الفساد كان بشكل مؤسسى، يعنى تلاقى مجموعة وزراء كل ما يجمعهم هو المصالح، وأى معلومة كانت بتوصل لضابط عن فساد مسؤول لا يعتد بها، مما دفع بعض الضباط للاتجار بهذه المعلومات، وفيه واقعة أنا باعتبرها سبة فى جبين جهاز أمن الدولة، إن وزير فاسد كان مشغل تحت إيده ضابط أمن دولة، بس أنا هنا مقدرش ألوم الضابط لأنى اكتشفت أن كل ده كان يحصل بعلم قائده.

◄◄ من هذا الوزير؟
- مصر كلها تعرفه، ومبارك منحه وساما بعد خروجه من الخدمة.

◄◄ ماذا عن عمليات حرق الملفات وفرمها عقب الثورة؟
- عملية حرق الورق وفرمه ده إجراء روتنيى، وكان يتم بشكل دورى وبعدين كل الحاجات دى محفوظة فى أجهزة كمبيوتر، لكن أعتقد أنهم فرموا الأوراق تحسبا لوجود حالات اقتحام أو ماشابه، وتمت عملية الفرم بهدف ألا تخرج هذه الأوراق.

◄◄ التعذيب داخل مقار أمن الدولة، هل كان ذلك من استراتيجيات عمل الجهاز؟
- اللجوء للعنف خلال التحقيقات ده بيبقى سلوك شخصى من الضابط، بمعنى إن فيه ضابط عنيف بطبعه، ولكن فيه ضباط آخرون لايفضلون استخدام هذا الأسلوب، ولكن بشكل عام المشكلة مش فى سلوك الضابط المشكلة فى قانون الطوارئ نفسه، لأن ضابط أمن الدولة لما كان بيتحفظ على حد يوم أو شهر عنده فى المقر، هو كده مش بيخالف القانون.

◄◄ .. وبالنسبة لتدخل جهاز أمن الدولة فى تعيين المسؤولين فى مختلف الجهات سواء كان إمام مسجد أو وزيرا أو مذيعا؟
- أولاً خلينى أوضح نقطة مهمة فى الجزء ده.. أمن الدولة مكانش بيتدخل فى الموضوع ده من تلقاء نفسه، لأن من ضمن مصوغات التعيين فى الجهات الحكومية، حاجة اسمها الاستطلاع الأمنى، مثال انت النهارده عاوز رئيس جامعة ولا عميد لكلية، بترجعلى أنا كجهاز، وأنا بقولك المعلومات اللى عندى عن الراجل ده، سواء كان فكر أو مذهب سياسى أو عنده أقارب عليهم شبهات، وبعدين الجهة العليا هى صاحبة القرار.

◄◄ فى رأيك متى بدأ جهاز مباحث أمن الدولة يتوغل فى المؤسسات فى مصر؟
- عندما بدأ الإعداد لمشروع التوريث، لأن المشروع ده كان محتاج ذراع أمنية قوية يعتمد عليها لتمرير هذا المشروع، يعنى فى القاهرة وحدها كان فيه 10 مكاتب فرعية، غير المكاتب الموجودة فى أقسام الشرطة، والأهرام، والتليفزيون، والفنادق، والوزارات، والشركات، والنقابات، والمساجد والكنائس، وغيرها من المؤسسات، يعنى بالبلدى كده، دخلوا أمن الدولة حتى فى غرف النوم، وده كان بيتم طبعا بالتنسيق بين المشرفين على مشروع التوريث، فى حين أن أى قضية أخرى، كانت تهم المواطن يتم تجاهلها تماماً، لأنها مش على هوى القيادة السياسية.
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا
abuiyad